الكلام عن المخدرات في العراق يطول شرحه ويحتاج الى تفاصيل كثيرة واحكام لتقديم المعالجات الواقعية الملموسة وهناك شواهد ووقائع لبلدان غير قليلة ابتلت بهذه الآفة حيث تمكنت من شرائح اجتماعية وأصابت الاقتصاد بشتى النكسات وراح ضحيتها الملايين من البشر بين الإدمان المزمن والموت البطيء والموت كنتيجة حتمية بسبب الاستخدام والادمان المفرط مثلما يحدث للعراق والشعب العراقي بعد عام 2003 ،

اشارت العديد من الدراسات والأبحاث على "وجود تحول نوعي وكمي في جرائم المخدرات في العراق سواء من تعاطي المواد المخدرة أو الإدمان عليها أو المتاجرة بها، وجاء هذا التحول نتيجة مباشرة لأزمة الانفلات الأمني وعدم الرقابة الذي سببه الاحتلال الأمريكي للعراق ونهج المحاصصة الطائفية الذي يحكم البلاد، والضعف في الأجهزة الأمنية والقانونية" من حيث تنوعت طرق تهريبها من الدول المجاورة وفي مقدمتها إيران وكويت ومن دول اخرى واصبح توزيعها واستخدامها في قطاعات مختلفة يشار له بالبنان ،  ان المخدرات لا تقل حقارة ونذالة عن الجرائم الكبرى التي تسعى الى تدمير الذات الفردية والذات الاجتماعية، وهي طريق يؤدي الى الهاوية بفقدان الهوية الإنسانية وتكون بمصاب الإرهاب بنوعيه السياسي والطائفي الديني وتوظف المخدرات كقوة تخريبية للمجتمعات وللدول، وهي عبارة عن أداة سحرية لخداع وعي الأجيال ودفعهم للأوهام بدل الواقعية والشعور بالمسؤولية الخاصة والعامة وأداة فعالة في تغييب الفرد عن واجبه الاجتماعي والأخلاقي والوطني، وفي مسعى تطويرها وزراعتها وتهريبها وتوزيعها خلق آليات إجرامية وأدوات فاعلة من العصابات والمافيات سعياً للحصول على المال الحرام بطرق حلزونية عانى ومازال يعاني منها عشرات الآلاف من العراقيين، ان الذي استحدث في هذا الموضوع الهام ،اعلان وزارة الداخلية العراقية يوم الاحد( 26 / 10/ 2025 ) فوز العراق بالمركز الأول قطرياً وعالمياً على جائزة "أفضل أداء وتعاون ميداني في مكافحة المخدرات" وهذا أعاد الأمل الى التوجه الصحيح لمحاربة آفة المخدرات التي انتشرت كالنار في الهشيم بعد عام 2003 ، عام الاحتلال وسقوط النظام، لا نرغب في انكار وجود المخدرات وبخاصة الحشيش والترياق في العهود السالفة إلا ان ذلك بحدود معينة  ولا  نريد الاسهاب في ظاهرة انتشار المخدرات تاريخياً إلا بقدر وضع أيدينا على الظاهرة التي انتشرت بشكل واسع وأصبحت لا تشكل خطراً على حياة الآلاف من المواطنين فحسب بل على الاقتصاد الوطني والمجتمع العراقي لأنها شملت التوزيع والاستخدام بعد عام 2003 واصبح لها مافيات تصول وتجول ولها حمايات مسلحة ودعم من بعض الذين لهم باع ومسؤوليات في الدولة وفي الميليشيات المسلحة ولهذا وجدت امامها الطرق مفتوحة وسهلة في استيراد المخدرات بأنواعها المختلفة لا بل هناك العديد من التأكيدات بأن انواع منها يزرع داخل البلاد مثل القات والحشيش والماريجوانا والأفيون والخشخاش وحبوب الكريستال، وتصنف المخدرات حسب مناطقها الى

1 ـــ طبيعية من النبات بدون تدخلات كيميائية وفي مقدمتها الحشيش ...الخ

2 ـــ أصناف نصف صناعية إضافة كيميائية ومصادرها الطبيعة مثل الكوكايين والمورفين

3 ـــ صناعية تجري صناعتها في مختبرات وهي خطرة جداً على الاعصاب والصحة بشكل عام وهي معروفة عند المؤسسات والدوائر التي تحارب المخدرات.

للعلم هناك العديد من المسميات تطلق على  الحبوب وغيرها توزع بشكل مباشر من قبل موزعين لهم مهمات وتكليفات لنشرها بين الأجيال الشابة ومنهم طلبة المدارس المتوسطة والمدارس الثانوية وحتى في المعاهد والجامعات وهذا لا يعني عدم نشرها في أماكن واواسط شعبية ايضاً مما تؤثر على العلاقات الاجتماعية ومنها العائلية وهي تفتك بالنسيج المجتمعي في العراق، والمخدرات لها تأثيرات اخرى تكون فاعل رئيسي في عدم التركيز وضعف الذاكرة والقلق من العلاقات العامة والخاصة وعدم القدرة الحفاظ على العمل، ويؤدي الإدمان الى ارتكاب الجرائم الجنائية والعدوانية وخلق المشاكل وجرائم السرقة والتجاوز على الآخرين إضافة الى انتشار الفساد داخل المؤسسات ودوائر الدولة، ان زيادة معدلات الإدمان يؤدي بما لا يقبل الشك ارتفاع معدلات الجرائم بمختلف انواعها  وتفكك العلاقات الاجتماعية والتقاليد الاسرية وحتى لتفكيك الأسرة ثم الاضرار الصحية وانتشار الامراض العضوية والعصبية والدماغ ان هذا الانتشار أسبابه عديدة ومعروفة

أولاً: الرقابة الأمنية والصحية الضعيفة والسهلة والمدعومة سياسياً لينتقل العراق الى ساحة للتوزيع والاستهلاك الداخلي وتوريط الفئات الشبابية بهذه الآفة

ثانيا: الفوضى في القرارات التي تتخذ من قبل الحكومة وتعدد الجهات المقررة وضعف القوانين المختصة بمحاربة المخدرات والمسؤولين عنها

ثالثاً: وجود مافيات منظمة مسلحة لديها مواقع في الأجهزة الأمنية والدولة وهي تتدخل في القرارات التي تطلقها بهدف الحصول على الأموال والسلطة

رابعاً: استغلال المنافذ والنقاط الحدودية لتسهيل التهريب والتوزيع وأكبر مثال ما نقل عن الشرطة الحدودية والجمارك حول البعض من الكميات غير القليلة التي تم السيطرة عليها

خامساً: انتقال الساحة العراقية لتكون ممراً لتهريب المخدرات بمختلف أنواعها

سادساً: الحصيلة الهائلة حيث اشارت قوات الأمن العراقية والجمارك العراقية انها قد وضعت يدها على آلاف الاطنان من المخدرات المتنوعة ولم تشمل هذه الكميات منطقة إقليم كردستان العراق
( وخير مثال ما أكده النائب عن البصرة عدي عواد  انه خلال ثلاث سنوات الماضية وبسبب المخدرات" وصل عدد الذين ألقي القبض عليهم اكثر من  4035 آلاف من المتعاملين والمتعاطين خلال العام الماضي" كما أكد رشيد فليح قائد شرطة البصرة الى ان 80% من المخدرات التي تدخل البصرة مصدرها إيران ومنها 20% الباقية من منافذ حدودية اخرى، واشير ان الأجهزة الأمنية تعتقل يومياً ما بين 10 الى 15 شخصاً  يتعاطى او يتاجر خلال السنوات الماضية تم اعتقال 4000 آلاف من تجار ومروجي ومتعاطي المخدرات، ان الأرقام التي نشرت وقسماً منها طي الكتمان لأسباب معروفة اكثر اضعاف المرات وهي تشمل أكثرية المحافظات ما عدا الإقليم، وهو كما يقال غيض من فيض والمخفي اعظم)

سابعاً: تعاون ما بين منظمات وجهات مختصة في مجال المخدرات ومافيات وتنظيمات مسلحة في الداخل وجعل العراق ساحة للتوزيع والبيع وكذلك ممرأ سهلاً للخارج

ثامناً: واخيرها وليس آخرها نظام المحاصصة الطائفية والتوافقية واستغلاله وانتشار الفساد والرشاوي والسلاح المنفلت

ان محاربة انتشار آفة المخدرات يحتاج الى جهود استثنائية في مقدمتها

1 ـــ وجود حكومة وطنية موحدة كي تتحمل المسؤولية الكاملة كسلطة تنفيذية وليس حكومة محاصصة

2 ــ توفير الإمكانيات لدعم المؤسسات الأمنية والجمركية بالمال والخبرة ومراقبتها

3 ـــ تفعيل القضاء العراقي العادل وتحديث القوانين التي تخص هذا المجال والقيام بتشريعات جديدة صارمة

4 ــ قيام الدوائر والمؤسسات المختصة في هذا المجال بوظيفتها الادرية والوطنية الجادة وتخليصها من تأثيرات نظام المحاصصة والرشاوي والمحسوبية ومحاسبة المقصرين قانونياً

5 ــ حصر السلاح المنفلت بيد الدولة وحل الميليشيات الطائفية المسلحة وضم الحشد الشعبي الى القوات المسلحة العراقية ( الجيش ، الشرطة) لأنه لا يمكن البتة ان تجري إصلاحات او تغييرات على الوضع في العراق بوجود قوى منظمة مسلحة ترتبط خارجياً

ان المخدرات هي الآفة الأشد فتكاً بالمجتمع كما هو معروف وتهدد الأجيال القادمة والسلم الاجتماعي وتعتبر حرباً صامتة بدون طائرات ومسيرات ومدافع وصواريخ واسلحة مختلفة فتاكة لكنها تمتلك ما يقابل هذه الأسلحة من أدوات تدمير وتخريب وفساد وتغييب وتفكيك ونتائج مأساوية للصحة الفردية والعامة لا تقل خسائر عن نتائج الحروب الدموية .